مسلة الدم

مسّلة الندم

أن تندم يعني بالواضح المتبلور و باليقين الساطع أنك غدوتَ بحاجةٍ ماسة و ضاغطة إلئ أن تتلافئ جراح خطأ عجزت عن كبح نفسك عنه قد حرجك بعيداً عنك، أو بعيداً عما قد تتغاضئ عنه من أخطأ و خطايا تزوقها أو تبررها أمامك و أمام من يضعك أمامك. فبالندم، لا سواه، تجد أنك قد ألقيت نفسك عارياً حتئ من جلدك أمام نفسك و تحت انظارك وانظار من سلط أنظاره عليك.
والندم الحقيقي العميق يحل في أعماق من يُصيبه كعصفة نارية ذات زخم إجتياحي ناسف بقواه التدميرية تتحكم فيه كوباءِ لا شفاء له و يظل يمتد فيه كدائرة تتسع بشكل سرطاني لا كابح له. حين يروح الندم يعيد خلق المبتعئ به علئ صورته، وهو يستخذي إزاء تسرطنه فيه، بل يدخل هذا الاستخذاء عاملاً مشاركاً في إعادة إنتاج ذات النادم علئ صورته ، فيغدو بعضك الجديد كلك الجديد، وتتسع تلك البؤرة دائرة تنداح و تنداح حتئ تلتهم كل ما تجتاح من نفس المبتلئ بها.
و الندم آفة نهمة الإجترار تجرك تدريجياً الئ أن لا تقاوم رغبتك الخفية المتنامية في إستمراء مرير لإجترارها وكأنك تعالج نفسك بما أنت مُصاب به ... إنها آفة نهمة الإجترار إن أدمنت أنت علئ تناول اجترارها ... لأن الندم اكثر وجوه الذاكرة إسوداداً . وان أطلت المكوث في مربعه سوف تكتشف أنه إما سيدفنك في ماضيك وأما سوف يدفن مستقبلك فيك. ولكن حين تشحذ وعيك الإرادي علئ آفتك حيث ضعفك، اي حيث يعشش الندم بهيمنته السوداء، ستجد أن ضعفك يتحجم و يروح منحسراً أمام زحف فعل الإرادة، فتولد نفسياً جديداً بعض الشيء فتلملم نفسك باتجاه استعادتك لها... و عليك هنا أن تعزز كل جديد فيك بجديد يعززه و يزيد.
واعلم: أنْ دون هذا النمط من الوعي الإرادي سيهرش في كيانك الندم حد العدم الذي سيداهمك بأشكاله المنتظرة ( انهيارات نفسية - جسدية، كآبات مطبقة العتمة، عطل كالاحتضار، تقوقع في الذات حد التصفر، هلوسات من كل صنف ينبثق من حالتك، جنون، انتحار)... والأبشع أن قد يلقي بك في السوداوية العدوانية بأحد اتجاهين:
إما أن تسعئ الئ تكريس لعبة خداع الذات و التهرب من الإطلالة علئ ماسبب ذاك الندم فتروح تغطيه و هو كامن فيك بصنوف التهور و المكابرة المتطرفين و تظل تهرب منك الئ الأمام لعلك بذلك تنساه فينساك، تهمله فيهملك ... وستكتشف -أن قد تكتشف - أنك قد دفنت نفسك في سراب ِخداع ذاتي عمَّق فيك الهدم... وأما يتفلت وعيك و تنهزم منهارة مستسلمة إرادتك فترتمي كلياً في دوامة تبكيت الضمير و الخوف الشديد من أعداء لا وجود لهم الإ في هلوساتك وأوهامك، و تشتهد حيرةً في معاشرة شخصاً آخر خلقته انت من داخلك و راحت تركع عاجزاً بين يديه... و تدخل بسببه معادلة مريرة : أنك هزيل إزاء تضخمه و تجبره، وان لا خلاص الإ بالهروب منك إليك...
وعند ذاك تنتهي في داخلك الئ شبح تتعاوره الاشباح ذات الاقنعه الشوهاء، وتتقاذفك الهلاوس الهذيانبه، و جميعها لن يغادرك الإ بعد أن يلقي بك في جسمك شبه حي - شبه ميت، إنه قبرك المتجول بك بعد أن عمقته بنفسك. فالندم إن لم يطهرك  بالوعي و الصدق و يقودك بالتسامي علئ حالته و مسبباته يعبث بك كآفةٍ نفسية تتسرطن فيك إن أهملتها ترعئ فيك و تتغذئ علئ عيوبك النفسية و تروح بشراهةٍ تفقئ فيك عن آفات نفسية و عقلية - وربما تشكل لها مساقط سلوكية - قد تترك مترسباتها النوعية في الجينات النفسية فيك و في الأقربين المستعدين لوراثتها من بعدك، فاعمل لنفسك من نفسك رقيباً يرصدك وبه تعود علئ تهوية نفسك بين فترة و اخرئ من تراكمات فيروسات
مسيرتك الحياتية... فبالتطهير الجسور تعلو بك صوب الطهر و النور.

شاكر السماوي

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

قصائد مظفر النواب الشعبية

ديوان اغاني الدرويش

علي الشباني