الايقاع المتفرد شاكر السماوي
تـلويحــة وداع أخـيرة لشـاكر السماوي
شـاكر السماوي :
الإيقــاع المنـفــرد في القصيدة الشعبية العـراقية
محطـّات من سـيرتـه الإبـداعـيـّة
د. خـيـرالله سـعـيــد
الطـابع " الكلاسيكي" للقصيدة (جچاية جرح)في
أغلب مقاطعهـا، يرسم لك صوراً رمزية تغيـرُ بكَ نحو تخطـّي مـديات الحـزن، وتــؤشــّر على فـعل مستحضر، يتسـاوق مــع المـرمـوز، من حيث القيمة والاعتبار، كـونه شئ محسوس في وجـدان الشاعـر، يجاهر به أحياناً، وأحياناً يضـمّـره، لشـد المتلقي إليـه، ومن ثم إلـزام هذا المتلقي على المواصلة والتفكير في محمولات القصيدة ومدلولات الـرمـز، في آن معـاَ، وهـذه واحـدة من المفارقات العجيبة عند شاكر السماوي، وهـو يضعها في بداية تـألـقـه الشعري في العـراق، لنتـأمـّل هـذا البيت الجميل من القصيدة :
" وَلآوح بس اريد الگيش...وأصدّ وما نـفع صـدّي " أنظر الفـعل" ألاوح" كم هو جميل باستخدامه ومعناه الذي يشير الى " تأشيرة اليـد" لطلب النـجدة ، و الفعل الآخر" وأصـد" أي أنظر الى كل الجهات، ولا أرى أي بارقــة أمل من فعــل "سياسي" يحتمله التأويل في مضمـّرات البيت، وتلك أدانة لقوى اليسـار الهلامي ، الذي لا يدرك معنى التلويحة والنـداء من كل المبدعــين - وقـتذاك-
أو هـذه الإيحــائيـة المتـماهـيـة مع الطـبيـعـة السـومرية، في تلك الربـوع :
" يتباهــن بنـات اهـروش ، تـــاهــت تيهة البردي " هذا الرمز القوي الممتد الجذور بالأرض ، والذي ترمز إليه مفردة" اهـروش" لتحوم بكَ نحو خلجات الروح التي تتيـه مع هذا الامتداد المائي المخضـّل بقصب البردي، وكأنه جزء من عروقك.
* تـلـــــوح- حـالة من الفحـولـة- في ثنايا القصيدة، والشاعر هنا، يحمل في طـيـّات نــــفسـه، ألـق التحـدّي الثـوري، المشحون بعبـق التـاريخ وأصالة الفولكلور العراقي وامتـداداتـه السـومريـة، ضمن البقـعـة الفـراتيـة : " بـعـد موعيب تلگـي السيف ،مثلوم ابطعن خنجر" أو هـذين البيتين الآخـرين :
" لݘـَن العار كل العار على كل سيف لو زنـجـر "
الجـرح نيشان ذاك السيف ݘـان لحومته يفـتر "
ثم يخاطب الإنسـان الذي يـريد والذي يتطـابق مع روحـه الداخلية، ويتمـاثـل معها بالحس والشعور، وكـأنـه يريده على شـاكلته هـو :
يهــا ينته التحـط ݘلمات ، بشفـاف الفجــر لو طر
أخــبرك لو بســاط الريح ، عافـه الريـح يتگـــنطر
وتكـاد تكون كل أبيـات القصيدة تخضع لمنظورات الشاعر الروحية ، ذات المحمول السياسي، الذي هـو يريده وليس ما تريده" الأحزاب التقـليدية" بمعنى أنـّه يريـد " المثـال" لا الـرمـز الأجـوف، لذلك ترى الشحنات المتوترة ترفع روح التحدّي في كل القصيدة، ويعـلـّم على دور الناس في مسألة رفـع وخفض الـرمـز، فيما إذا تخلّوا عنه، والذي استخدم – معادله الموضوعي- بكلمة" بسـاط الريح" كرمز للقـائد والريح كمعادل للناس، وبدون الريح لا وجود للبساط ، ومن هنا شعرنا ،في عام 1967 من أن شاكر السماوي يحفــّز فينا روح الإقـدام والتمـرّد على ما هـو سـائد، ولا ننسَ أنـّه شاعر يسـاري، مشاكس ، بخصوصيـّته اليسـارية لقوى اليسـار المخصي والمتعالي على الواقع، بكل خصوصيـّـاتـه، فتراكم حالة الصراع- في نفس الشاعر، وتأثيرات المجتمع، لا تلبـّي حاجتـه الثورية، لذلك فـكَّ الإرتباط بآصرتــه التنظيمية مع ذلك اليسـار في نهاية الخمسينات، كما أعتقـد، ووفق ما أخبرني هـو بذلك ، وتحديداً في عام 1959 م ، لكنـّه ظلّ على إصراره المتحدّي للـواقع السياسي ولزوغـان اليسـار عن مهمـّتـه اليسـارية الثـورية، لذلك نرى أن " حـݘـايـة جـرح" تبرز من خلال المضمون والتسـمية" للـديوان" وهـو : مـوقف معـلن من قبل شـاكر السـماوي ، للتعــبير عن ذاتـه اليسـاريـة، ضد هذا اليسـار، وضد الواقع السلبي الذي يتحرك به هذ اليسار العراقي، فـ "حجـايـة جـرح" هو ذلك التاريخ المسربل بالآلام والتحديـات لكنه يظل معبود لحظته التاريخية، بـوصفـه حالة التزام ثـوري، يستحق هذا الرثـاء وهـذا الدفاع .
* هـذه القصيدة، هي التي كانت "جـواز السفر الأول" للدخول الى حومة ميدان الشعر الشعبي العراقي، بقـوة واقتدار، ومحايثـه واحتكاك لكل القمم والقـامات الموجودة فيه، لذلك أراد شاكر السماوي أن يقـدّم نفسـه لهـذا الوسط الثقافي- الشعري، بهذه القصيدة،، والتي ولـّدت" الـديوان الأول" باسمها ، فيما بعد، إذ صدر هـذا الديوان عام 1970 م ، وممـّا يلاحظ على القصيدة من بدايات انطلاقاتها كانت تحمل روح التحـدّي الأدبي والسياسي :
ونݘان السهـَم مـَض بيك، عيب اعلى الجرح يندم -1-
هنــيالـه أليشـگ الموت ، يرشـف من حــلاة السم -2-
هنــيالــه اليكـت بالصيف زخـّه اعلى الهرش يحلم -3-
يهـــا يلـّي تـشيـل اســنين ، باݘـــر والجـرح مالــم -4-
بــاݘرنـه ابخيــال اليــوم ، عرّيس وشموعــه الدّم -5-
باݘرنه اعلى جرح الطيف جرح اعلى الجرح بلـسم -6-
هـذه الأبيات الســتّـة، تحمل بمضمونها كل صور التحدي وبروح فروسية عالية، بل فيها من إصرار على تجــاوز الواقــع، والتسـامي فوق الجـراح، وخـلـق" تعـويــذة الروح المقاومـة" البيت 1 – والإصرار على الإقدام برشف" كأس السم" بوصفـه "مضغـة" لفطم روح الإندحـار- البيت 2- على اعتبار أن حامل سني النضال- البيت4- والناظر نحو الغـد" بـاݘر" هو صورة ذلك " العريـّـس" الذي يعلّم- بوصفه ثوري- أن شموع العرس من الـدم- البيت5- لكن هذا الإصرار للتحـدّي هـو الذي يرسم " الطيف" أو الحلم القادم ، من خلال "تراكم الجروح" على بعضها يولـّد "البـلــسم" الشـافي لهـا – البيت6-
تعليقات
إرسال تعليق