كيف ينظم شاكر السماوي القصيده
* كـيف يـنـظـم شـاكـر السـماوي قصـيدتــه ؟
1- الإيقــاع المـتوالي المنفـلـت من هيمنـة التقفـيـة والـوزن:
برزت هـذه النـاحية عند شاكر السماوي منذ قصـائده الأولى، وظهرت حتى في قصائده الكلاسيكية، بمعنى أن " الإيـقــاع" هو الصوت الأعلى في نظم القصيدة السماوية، ففي قصيدة- كلاسيكية- نظمها شاكر في 28-3-1968 م كانت بعـــنوان "همـس الخـواطر" نظمها على شكل( ربـاعيات) يقـول في الرباعية الثانية:
غـيمـة نــور اتطـوف بـدمـّي ... وتـمـطـر گـمـره
يغسـل ظيمي وظيـم اظنـوني... بخـمـرة ســــــرّه
واصحـيت من الصحـوه وگـلبي... امحـيـّـر بامـره
شـــاف الـروح بݘــف الدنـيـا... جـمــره بجـمـــره
هـذا الإيقـاع الراقـص، هـو الذي سيحـدد مسارات شاكر السماوي الشعرية، في أغلب قصائده الحـديثة ، لاسيما وأن حـريـّة النظـم للشعر الحديث تسـاعـد كثيراً في التخلص من ربقـة القـافيـة والـوزن .
2- هيـمـنـة الانفعالات الشعريـة في لحـظـة ولادة القـصـيدة :
يقول شاكر السماوي في أحـد حـواراته: "إن معظم قصائدي، بما فيها متوسطة الطول، كنت أنتهي من كتابتها في جلسـة واحـدة"-
وهـذا يعني أن هيمنة موضوع القصيدة يحرّكه الإنفعال الشخصي، فيما يرسم الإيقاع مسارات هذا الإنفعال في نظم القصيدة، وهـذه الحالة تكاد تتـنـمـذج عند شاكر السماوي في قصائد الستينات من القرن المنصرم، حيث يتفاعل فيها جمال الصورة الساحرة المتساوق مع هذا الإيقـاع، يقـول شاكر في إحـدى مقاطع قصيدتـه" مع الوجـه الثــاني" والتي نظمها بتاريخ 24-2-1968م في بغـــداد :
تـهـت بـالــنور.. يـا بـو النــور
دهــاك العـين.. دخـذهـا اويـاك
دلــّيـهـا اعلى نبــع الـــــنور
بلݘـي العـين من تـنـدل... تـدلـّـيني
هـنا نلمس ونـدرك أن الإيقـاع هـو الذي يقـود الشاعر الى مساراته، والشـاعر يـتيـه بروحـه مع آفـاق الصـورة لتنداح مع مَـديات الخـيال، دون الإلتفـات الى( قانونية النظم الشعري) ضمن ضوابطه الفنية" الخـليليـّة" بمعنى أن – بـذرة الإيقـاع- تنمو بقـوة عند شاكر السماوي وتفرض هيمنتـها على مسارات قصيدته .
سـألتـه يـوماً، من خلال التليفـون: " هـل أنت تقـود القصـيدة أم أن إيقـاع القصـيدة يقـودك!؟ أجـابني: بمجرّد التماع الفكرة في ذهـني، فـإن الإيقـاع يـدفعني للتـمرّد حتى على المرض، كي أنهض وأكتب القصيدة ضمن هذا الإيقاع" والإيقـاع عند شاكر أحياناً طـويل وأحياناً قصير، وموضوع القصيدة عامل مـؤثــّر في شكل الإيقاع، يقول شاكر في إحدى مقاطع قصيدته" الـوداع عـند الفـجر" والتي كتبهـا في 18-2-1969م
مشى بيـنا الوكـت خطـوات
يعـت بيهــا الـدرب وتـعــت
مشـى وشـما مشـى بيـنا... نظـل نمشــيه
يـارفــّـت دليـلي ورجـفـة اجـفــــوني
مـن يحـݘـي الگـلــب ويــّـاك... وآنا أسـكت
لاحــظ هـدوء الإيقـاع يخضع لهــدوء الانفعال، بحكم الصـورة الشعرية لمخاطبة وجـدان المتلقي، وهـو هنا( الحبيب الغـائب) ورمـزيـّـاتـه .
3- بــقـاء الإيقـاع نـاظمـاً حتى عند الانتقال من فـكرة لأخـرى، في كل الصورة الشعرية ، قصر أو طـال هـذا الإيقـاع
يقـول شاكر السماوي، في مقـطع آخر، من نفس القصيدة أعــلاه :
يـبيّ أسـكت.. بعـد واسكـت
واهـدي الشـوگ
لݘـنـّي اشما سكتت واسكـت
ألگــى الشـوگ .. يبـوگ الـروح منـّي
وعـالجـفـون يجـيك... يحـݘـيني
* * *
اشـكـثر واشـگـــد
يـدولـبني الظـنـون ومـا جـزيت الحــــد
اشـكـثر واشـگــد
يبــعدني غـناي
صــدح شـوگــي
على قـيثـارة ضـلوعي
ومـا سمعـني احـّــــــد
اشـكـثر وشـگــد شربني اغـنـاي
ولا خـلـّـيت بيني وبين
جـرحي ســــد .
كـم هي جميـلة هـذه النقـلات، بين صورة وأخـرى،، وإلى كم تمـاهى الإيقــاع مع هـذه النقـلات الروحية، رغم أن تكرار بعض المفـردات في الأبيات الشعرية، الاّ أن هـذا التكرار خدم البعـد النفسي في شفـّافيـة الشاعر للتعبير عـمـّا يجوس في داخلـه من مشاعر تريــد التعبير عــن محبوساتها فـي هــذه الإيقاعية الناظمـة لمسارات الصورة الشعرية وتموسـقاتهـا، مع ملاحظة أن شاكر السماوي بـدأ في هـذه المرحلة من الستينات يخلـع معطـف القصيدة الكلاسيكية، وكان الإيقــاع، في قصـائد تلك المرحلة من العـوامل المهـمـّة والقـويـّة في هــذا الخــلـع الفـنـّي .
4- جمـاليـة الصــورة في النـظـم تتهـادى والإيقـاع المـمـوسـق عـند شـاكر السماوي .
تؤشّـر- نهاية الستينات- على شعر شاكر السماوي بنوع من النضج المتماسك، في إبراز الصورة المندلعة من طبيعة الأشياء والمصـوّرة شعراً في مخيلة الشاعر، والتي يقتـنصها من الغموض المغلغـل في صميم الكينونـة، حيث يلتقي الـروحي بـالوثـني في معادلة الطبيعـة المعكوسة شعراً في وعي المبدع، إذ تتشكـّل صورة الطبيعـة عند شاكر السماوي بشئ من محمولاتـه الشعبيـّة، كـموروث قـوي الحضور في بديهيـّة الوعي عنده، حينما يعـبـّر عنهـا- جمــاليـّاً- ضمن إيقـاعـه المنفـرد في نظم القصيدة الشعبيـّة ، يقـول السماوي في مقطع من قصيدة" الـوداع عنـد الفجـر" الآنفـة الـذكر:
ويـطفـّـينـه الصـبح.... والطـين
يـبرج زيـبگــه بطـينـه
وتطـفــّيـنه...
وعلى ظلمـة ضـوه الـدنـيا الـدرب رَد نـــــا
رمــاد... ويَ الـرماد الـريح تحـديـنا
و وَدعـنــّـك رفـيف دمـاي
أودعـنـّك واخلـّي لكَ على الثـيـّل
خيـالي طـارش ومكتـوب
ما شـايل عـناويـنـه
يخـبرك..... يـارفيج الـروح
تـراه الشـوگ... عـندي شـوگ
عــذري بـكل نـيــاسـيـنـه
أخــّاذة هذه الصـور، وخـارق هـو التوصيف لخلجـات النفس الـداخلية بهـذا الإسـقاط الشعري، وهـذه الحالة المتقـدمـة في النظم عـند شاكر السماوي، هـي التي أهـّـلتـه بامتياز لأن تكون قصيدتـه ، في سـبعـينات القـرن المنصرم فـريـدة في نظـمهـا وشكلهـا، ومضـمونهـا، وجرسـها الخـاص .
د. خـيـرالله سـعـيــد
تعليقات
إرسال تعليق