زفة شناشيل

  

(( آنه يعجبني أدوّرعالگمر بالغيم ..ما أحب الگمر كلّش گمر ))

  ( مظفر النوّاب ) 

 من قصيدة ( زفّة اشناشيل )

دمشق

(( من وجهة نظري الشخصية ، وقد أكون مخطئا في ذلك لكنه اجتهاد على أية حال ،وللمجتهد المخطيء حسنة كما يقال ،إن ما حققه المبدع المعلم ( مظفر النواب ) هو ثورة في الأدب المكتوب باللغة العامية ، بكل مقاييس الثورة الإبداعية .يقابل ذلك ، والمقارنة من مميزات العقل البشري والمعرفة البشرية ومشكلاتهما في الوقت نفسه ،توصيف للتغيير الهائل الذي حققه المبدع الكبير ( بدر شاكر السياب ) بالحركة الشعرية الثورية .وهناك بون واسع بين الثورة والحركة الثورية . في مجال الثورة النوابية كنا أشبه بأناس اعتادوا أن يروا كل يوم بستانا كبيرة من الأدب العامي ثم نمنا ذات ليلة واستيقظنا فإذا بنا نجد غابة جديدة ساحرة قائمة بجوار البستان السابق لم نألف مظهرها من قبل..لا في شكل شجرها ولا في ثمره ولا في تنظيم صفوفه ؛ غابة آسرة وجدنا لغة طيورها فقط هي اللغة العامية ..لكنها عامية ليست كتلك العامية التي كنا نسمعها في البستان السابقة .كانت هذه الغابة مستقلة وقائمة بذاتها.. ظهرت هكذا .. وشاهدناها هكذا .. غابة اسمها (مظفر النواب) .أما بالنسبة لحركة التجديد الثورية التي قادها السياب فهي وفي تشبيه مواز أشجار باهرة نشأت عبر زمن من أحشاء بستان الأدب المكتوب باللغة الفصحى سابقا .قبل أن ننام كنا نشاهد يوميا الكيفية التي تتشكل فيها هذه الاشجار بيأس وصلابة وكيف تتنامى وتزدهرمن خلال محاولات مستميتة .كنا نلاحق محاولاتها من أجل التفرّد والتميّز .وفي كل صباح نستيقظ فيه كنا نلاحظ تغيّرا مضافا حييّا ومترددا في أغلب الأحوال ليتراكم ويتحول إلى تحول نوعي .كانت تلك الأشجار مماثلة للأشجار السابقة شكلا ولغة طير وثمرا ثم بدأت عملية ( استحالة ) عضوية تدريجية بحيث تحولت إلى بستان تدخله فتجد شجرا جديدا باسقا وثمرا جديدا يانعا وطيورا تغني بموسيقا ساحرة جديدة لكنك حين تسير بين صفوف أشجار البستان الجديدة ستقودك نهاياتها إلى أحشاء البستان القديمة متعشقة معها ومتواشجة ومحتواة في إطارها العام .وهذه البستان الجديدة كان فيها أشجار باسقة .. فيها نازك .. وفيها السياب .. وفيها البياتي ..ثم تلتها أشجار أخرى لاتقل عنها قيمة فنيا مثل بلند الحيدري والبريكان وسعدي يوسف وغيرهم .. لكن غابة العامية الجديدة كان فيها مظفر لوحده .. مظفر فقط ..كان غابة كاملة . ولو أمعنا النظر في الكيفية التي تشكل فيها الإثنان - غابة العامية وبستان التفعيلة - من ناحية العوامل المؤثرة فسنجد عوامل مشتركة كثيرة لكننا سنجد فروقات هائلة لعل في مقدّمتها الجهة المرجعية التي أنضجت التمرد في روح أبناء الحركة السيابية الثورية الجديدة ، ونعني بها الأب ( العمودي ) الذي ثاروا عليه ، ألا وهو شاعر العرب الأكبر ( محمد مهدي الجواهري ) .        

  إنّ جبروت الجواهري الشعري وسيطرته المحكمة على الساحة الشعريّة في القرن العشرين كسيّد لا ينازع لقصيدة العمود كان واحداً من أهم العوامل التي هيأت لظهور حركة الشعر الحديث في العراق. يقول((جبرا إبراهيم جبرا)): ((من المهم أن نلاحظ إن قمة الجواهري الشعرية في أواخر الأربعينيات وأوائل الخمسينيات ، تعاصرها بداية الحركة الشعرية الجديدة في العراق. لم يترك الجواهري للشعراء الشباب متسعاً للمنافسة، وعندما تبلغ الأشكال الشعرية حدّها الأقصى من النضج والقوّة. فلابد من ثورة عليها استبقاءً للطاقة الشعرية وقدرتها للتعبير عن رؤية الإنسان، واستمرارها في البحث عن ما هو ربما أعمق وأوثق صلة بالنفس ، بالتاريخ، بالمجتمع المتغيّر. ومن هنا فإن تجربة بدر شاكر السيّاب مثلاً تنطلق من تمرد الجواهري إلى ما يشكّل تمرداً من نوع آخر، أبعد مدى.تجربة الجواهري تبقى تجربة المتمرد الذي لابد له مما يتمرد عليه باستمرار. إنّه تمرد يتوخى ما ينسجم مع إنسانيته، ولكنه يضع لنفسه أهدافاً قريبة تتصل بالحدث السياسي المباشر. أمّا تجربة السيّاب فإنها تتخطى هذا كله إلى تجربة ذاتية، تنفذ من خلال الحدث السياسي، بل تنفلت منه، الى التجربة الإنسانية الشاملة، تجربة المسيح في صلبه وبعد الصلب)).يبدو أن هذه هي الفرضية الأساسية التي أشاد عليها الناقد حسين سرمك حسن أطروحته في " الثورة النوابية " وهو عنوان كتابه الجديد الذي صدر عن دار الينابيع في دمشق هذا الأسبوع . تكون الكتاب (320 صفحة) من عدة فصول : بين الثورة  النوابية ....وحركة السياب الثورية ، مظفرالنوّاب .. رائد الثورة العامية الحديثة ، مظفر النواب :الحداثة الشعبية..هذا المركب العجيب، مظفر النواب... وحالة ( ما بعد الحب )،النوّاب :الشعر عيد كوني ..القصيدة غبطة كونية،الخيميائي، حزن النواب العجيب : مو حزن.. لكن حزين !!وأنسنة النحاس . كما ضم الكتاب ملحقا بنصوص عامية تنشر لأول مرة . وقد قال الناقد سرمك أن هذا الكتاب هو الجزء الأول من مشروع ضخم عن المنجز الإبداعي للنواب ويشتغل الآن على الجزء الثاني وهو خاص بالأدب العامي أيضا .

وقد صمم الغلاف الفنان المبدع صدام الجميلي .

 

حسين سرمك حسن

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

قصائد مظفر النواب الشعبية

ديوان اغاني الدرويش

النهر الاعمى